ثقافة بين الشكسبيري والحلم التونسي: انطلاق الدورة 26 من أيام قرطاج المسرحية
في ليلة شتوية باردة، لم تثن الأمطار عشاق الفن الرابع عن التحوّل بأعداد غفيرة إلى مدينة الثقافة للاحتفاء بأبي الفنون. مساء السبت 22 نوفمبر رفع الستار عن الدورة السادسة والعشرين لأيام قرطاج المسرحية، تحت شعار «المسرح وعي وتغيير… المسرح نبض الشارع»، وذلك بحضور نخبة من الفنانين والمثقفين والدبلوماسيين.
أعطى مدير التظاهرة منير العرقي شارة الانطلاق بكلمة استدعى فيها بريشت: «المسرح ليس مرآة تعكس الواقع فحسب، بل مطرقة نصوغ بها عالما أكثر عدلا وإنسانية».
ثم عمّت القاعة دقيقة صمت مهيبة تضامنا مع غزة، وكأنّ الأنفاس نفسها تحوّلت إلى صلاة صامتة، قبل أن يؤكّد العرقي أنّ فلسطين كانت ولا تزال في صميم السؤال الإنساني الذي يحرك جوهر الفن، وأن الفن نفسه فعل مقاومة ونور في زمن العتمة.
واستعرض العرقي في مداخلته أبرز محطات هذه الدورة الاستثنائية من تجربة «مسرح الحرية»، إلى ملتقى البحوث المسرحية، ثم «مسرح العالم» بما يحمله كل عام من تنوّع وتجارب تتقاطع وتتنافر، لكنها جميعا تشترك في إيمان واحد: أن الفن، رغم قسوة الزمن، لا يزال قادرا على الإنقاذ، وإعادة الروح.
وفي لحظة مؤثرة، خصّصت فقرة «غادرونا» لتكريم النجوم الذين رحلوا هذا العام تاركين فراغا كبيرا على غرار الناقد أحمد حاذق العرف، العملاق فتحي هداوي، الرائد محمد الفاضل الجزيري، الثوري أنور الشعافي، فرج شوشان، عبير الجبالي، صالح البورجيني، عمارة المليتي، مختار مليح، توفيق الهمامي، وصوت الذاكرة محمد علي بالحارث.
شهد الحفل تكريم مجموعة من رموز المسرح العربي والإفريقي تقديرا لمسيرتهم الاستثنائية، من بينهم لطيفة أحرار (المغرب)، عماد محسن الشنفري (سلطنة عمان)، عبد الرحمان كاماتي (ساحل العاج)، وليلى الرزقي، فتحي العكاري، علي الخميري، لزهاري السبعي، سليم الصنهاجي، وهادي بومعيزة (تونس).
وكما جرت العادة حضرت الموسيقى في افتتاح الدورة السادسة والعشرين لأيام قرطاج المسرحيّة بفقرتان موسيقيتان أضفتا لمسة من الدفء والشجن، الأولى بصوت محمد علي شبيل العميق، والثانية بصوت بثينة نابولي الرقيق في أغنية فلكلورية بتوزيع عصري.
اختتم الافتتاح الرسمي بعرض «الملك لير» لوليام شكسبير بحلته العربية، إخراج شادي سرور وبطولة النجم المصري يحيى الفخراني، فيما عرض بالتوازي في قاعة الريو مسرحية «(الـ)حلم… كوميديا سوداء» من إخراج جليلة بكار والفاضل الجعايبي، بمشاركة جمال المداني ومحمد شعبان ومنير خزري وآخرين، عمل يمزج النقد الاجتماعي الحاد بالسخرية السوداء ويعكس نبض الشارع التونسي بكل آلامه وأحلامه.
تتواصل فعاليات الدورة حتى 29 نوفمبر ببرنامج يضم أكثر من 80 عرضا. أيام ستعيش خلالها العاصمة على إيقاع واحد: إيقاع المسرح… حيث لا يموت الحلم، بل يُعاد تقديمه على الخشبة كل ليلة.
سناء الماجري